مناضل في صفوف التوجه القاعدي
الأربعاء: 30 أكتوبر 2013
انطلق الموسم الجامعي هذه السنة 2013/2014، وانطلقت معه كما كان منتظرا الاحتجاجات الطلابية على الظروف السيئة للتعليم، وغلاء المعيشة وقمع الحريات. موقع تطوان بدوره لم يكن استثناء حيث شهد منذ بداية السنة الجامعية اندلاع سلسلة من النضالات والاحتجاجات السلمية ضد انعدام أبسط شروط الدراسة، وضد الغلاء المفرط في تذكرة التنقل، فجاء رد فعل الدولة هو القمع الهمجي.
في يوم الاثنين 28 أكتوبر 2013، فوجئ طلاب جامعة عبد الملك السعدي، كليتا الآداب والحقوق، الذين كانوا ينفذون شكلا نضاليا سلميا بهجوم وحشي لأزيد من 300 رجل قمع مسلحين بالهراوات في حملة لم تستثن أحدا من الطلاب سواء المحتجين أو اللامبالين، وكذا بعض الأساتذة. وكانت النتيجة أزيد من 14 معتقلا، وعشرات الجرحى، وتكسير ممتلكات الجامعة.
في مواجهة هذا القمع نظم الطلاب يوم الثلاثاء 29- 10- 2013، مسيرة حاشدة في اتجاه مخفر شرطة مارتيل للاحتجاج على القمع واستمرار اعتقال رفاقهم بدون وجه حق والمطالبة بإطلاق سراحهم فورا. إلا أن هذه المسيرة السلمية بدورها تعرضت للقمع، واستمرت مطاردة الطلاب والطالبات في شوارع مارتيل عدة ساعات بعد فض الاحتجاج بالقوة.
القمع دليل على الضعف والرعب
إن الهدف من هذا الهجوم العنيف هو وأد الحركة في المهد، والحيلولة دون انتشارها إلى خارج أسوار الجامعة، بحيث تفتح الباب لانطلاق حركة احتجاجية تنضم إليها باقي الفئات المقهورة والمضطهدة، لأن النظام القائم يعلم علم اليقين أن تلك المطالب حقيقية ويمكنها بسهولة أن تجد لها صدى بين صفوف عموم الجماهير الكادحة المكتوية بدورها من نار الغلاء.
إن رد الفعل الهستيري هذا دليل على رعب الطبقة السائدة من الشباب ومن نضاليتهم، وخوفه من احتمال توسع نطاقها. إن الطبقة السائدة ودولتها مقتنعون بضعفهم أمام احتمال اندلاع حركة جماهيرية حاشدة، ويعلمون يقينا أن كل شروط الانفجار قائمة، لذا فإنهم يسارعون إلى إطفاء كل شرارة، خاصة إذا ما انطلقت من بين صفوف الشباب.
لكن رد فعل الطلاب يوم الثلاثاء بتنظيمهم للمسيرة الاحتجاجية جاء عكس متمنيات أجهزة القمع. إذ لم تؤد حملة يوم الاثنين 28 أكتوبر القمعية إلى إيقاف الحركة، أو إخافة الجماهير الطلابية ودفعهم إلى الصمت، بل على العكس تماما. فقد التحق بالاحتجاج طلاب وطالبات آخرون وبدأ صدى المعركة يتخذ طابعا جماهيريا على صعيد الإقليم ووطنيا.
ليس هناك ما يخشاه جهاز القمع أكثر من خشيته من عجزه عن بث الرعب في نفوس من يسلط عليهم قمعه. إن مبرر القمع وجدواه تتجلى تحديدا في إخافة المحتجين وثنيهم عن الاستمرار في النضال. لكن هذه النتيجة لم تعد مضمونة، خاصة عندما يواجه شباب تمرس أغلبهم في حركة نضالية ثورية طيلة أزيد من سنتين (حركة عشرين فبراير)، وواجهوا القمع بكل أشكاله والاعتقال.
بعد القمع تأتي المناورات
بمجرد ما يفشل جهاز القمع في بث الرعب والوصول إلى هدفه، يغير الرعب موقعه، فينتقل إلى معسكر الطبقة السائدة وجهاز قمعها، فتعمل على تغيير التكتيك، إلى “طلب الحوار”، ومحاولة تقسيم صفوف المحتجين بالافتراءات والمناورات، الخ.
سيستعمل جهاز القمع الطلاب المعتقلين مثلما يستعمل أي مجرم إرهابي الرهائن الموجودين بين يده: سيساوم بهم وسيضحي ببعضهم لإبراز قوته وحزمه. سيلفق لهم تهم التجمهر والاعتداء على رجال الأمن والعصيان وتكسير ممتلكات عامة الخ الخ، ترسانة من التهم المزورة، ليبث الرعب في نفوس المحتجين، ويحول مسار الحركة إلى الألاعيب “القانونية”، فيبعد الحركة والمواجهات من الشارع إلى ردهات المحاكم، وينزع القرار من أيدي الجماهير المحتجة ليضعه بين أيدي المحامين والقضاة.
وفي هذا المسلسل سيقدم أعداء الحركة كل الوعود الممكنة وغير الممكنة من أجل نفس الهدف الذي أرادوا الوصول إليه بالقمع: أي إيقاف الحركة ومنعها من تحقيق أهدافها.
مدرسة القمع
يمكن لمشاهد الفيديوهات التي نشرها الطلاب على صفحات الانترنت أن يسمع في إحداها طالبا في كلية الحقوق يصيح بأعلى صوته في وجه قوات القمع: “هل هذه هي دولة الحق والقانون؟”. نعم هذا سؤال جيد من طرف طالب نجيب لأساتذة يقومون بعملهم التعليمي بكل جدية.
إن هجوم قوات القمع على الطلاب المحتجين بشكل سلمية والذين بحت حناجرهم وهم يطالبون بتخفيض ثمن التذكرة ليتمكنوا من الالتحاق بحصصهم، سيساعد طلاب القانون والحقوق هؤلاء على تعلم الدروس الحقيقية بعيدا عن ركام الأكاذيب والزبالة التي يعمل الأساتذة الرسميون على شحن عقولهم بها.
لقد قامت شركة النقل بتطبيق زيادة مهولة في ثمن التذاكر، خارج أي قانون، فلم تحرك السلطات ساكنا، لكن عندما خرج الطلاب للاحتجاج والمطالبة بالعودة إلى تطبيق تسعيرة السنة الماضية، هاهي جحافل القمع تنقض عليهم فتكسر العظام وتعتقل وترهب. إن هذا الدرس سيساعدهم على أن يفهموا أن الشرطة ليست في خدمة المواطنين، بل في خدمة الرأسماليين وحدهم. وأنه لا وجود لقانون في خدمة الجميع.
بل سيعرفون أن حتى تلك البنود والمواد القانونية التي يدرسونها، ويقال لهم أنه من المفترض احترامها، فقد صاغها “مشرعون” و”فقهاء قانونيون” الخ سرعان ما تظهر على حقيقتها باعتبارها مجرد كلام فارغ تدوسه الطبقة السائدة بأرجلها عندما تجد أن مصالحها أو هيبتها مهددة.
هذه دروس جيدة بالرغم من كل شيء، ويمكن بالاستناد عليها أن نشرح حقيقة القوانين وحقيقة الدولة لأبناء العمال والفلاحين والفقراء هؤلاء، بأن نوضح لهم أن الدولة هي أداة سيطرة طبقية لخدمة الطبقة السائدة اقتصاديا أي طبقة الرأسماليين، وأن القانون هو دائما قانون طبقة ضد أخرى، وليس هناك قانون محايد.
ما العمل الآن؟
أولا ينبغي أن يكون واضحا للجميع أن هؤلاء الطلبة الموجودون وراء القضبان، إنما اعتقلوا لأجلنا. لقد اعتقلوا لأنهم كانوا معنا ويناضلون على نفس ما نناضل من أجله من مطالب مشروعة وعادلة. كما يجب أن يكون واضحا للجميع أنهم لم يكونوا مستهدفين شخصيا بالاعتقال، وإنما الصدفة وحدها هي التي جعلت المعتقل الآن وراء القضبان بينما ما نزال نحن، أنت وأنا والآخرون، “أحرارا”. كان يمكن أن تكون أنت هو المعتقل، وكان من الممكن أن يكون أنا، فيد الدكتاتورية لا تستثني أحدا. لذا علينا أن نتحمل مسؤوليتنا في النضال من أجل فرض إطلاق سراحهم.
إن النظام بعد أن اعتقلهم سينتظر ردة فعلنا ليقرر طريقة تعامله معهم. فإن كانت ردة فعلنا في مستوى المهمة الملقاة على عاتقنا ووجد نفسه مهددا بأداء فاتورة باهظة على استمرار اعتقالهم سوف يضطر إلى إطلاق سراحهم وسنحقق بذلك انتصارا كبيرا في معركتنا. أما إذا وجد بأنه تمكن من زرع الرعب فينا أو البلبلة بين صفوفنا باعتقالهم، فسوف يعمل على سحقهم بأحكام ثقيلة لكي يضرب بهم المثل لكل من تسول له نفسه التفكير في الاحتجاج.
إن مجرد توقف الاحتجاج بعد اعتقالهم سيستعمله للإدعاء بأنهم مشعلو “الفتنة” وسيلفق لهم من التهم ما يكفي لرميهم وراء الشمس.
علينا أن نتحمل مسؤوليتنا في مواصلة النضال بدون هوادة لإطلاق سراحهم فورا وإسقاط كل المتابعات في حقهم. لا بد من نقل المعركة إلى مستويات أخرى: يجب تشكيل لجنة المعتقل، في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، منتخبة ديمقراطيا ومراقبة ومسيرة من طرف الجماهير. مهمتها تأمين الاتصال مع المعتقلين وعائلاتهم وجمع الدعم المالي والسياسي لهم. يجب إطلاق حملات تضامن إقليمية ووطنية وأممية من أجل إطلاق سراحهم والتنديد باعتقالهم وفضح النظام الدكتاتوري القائم.
إن الهجوم على الحرم الجامعي وتكسير مرافقه وضرب الطلاب جريمة على نقابة الأساتذة والموظفين والعمال الجامعيين أن تتحمل مسؤوليتها في التنديد به. يجب علينا أن نتوجه إليهم برسائل نوضح لهم فيها حقيقة ما يجري ونطلب منهم تحمل مسؤولياتهم والخروج من صمتهم.
وغني عن الذكر هنا أن أول من يجب علينا أن نطلب دعمهم هم طلاب الكليات الأخرى (كلية العلوم) وتلاميذ الثانويات بتطوان ومارتيل.
كما يجب علينا أن نوضح لعمال الشركة أننا لسنا نناضل ضدهم أو من أجل قطع أرزاقهم بل لأننا مثلهم نكتوي بنار الغلاء. ينبغي علينا أن نشرح لهم بالنقاش المباشر والبيانات والمنشورات أننا أبنائهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم، أبناء العمال والفقراء، لدينا مطالب عادلة ونشرحها لهم بالتفصيل، سوف يفهمونها وسوف يتعاطفون معها، وحتى إن منعهم خوفهم من فقدان منصب شغلهم من إبداء التضامن معنا فسوف نتمكن من تخليصهم من السقوط في شباك أعدائنا المشتركين.
بعض الطلاب الذين انخرطوا في المعركة اعتقدوا في البداية أنها معركة قصيرة ستبدأ بالمطالبة بتخفيض تسعيرة النقل، فينتبه المسؤولون إلى ارتفاع ثمنها فينبهون إلى ذلك أصحاب الشركة الذين سيعملون بدورهم على تدارك هذا الخطأ. لكن اتضح اليوم أنها معركة طويلة، معركة تجد جذورها في مسلسل الخصخصة وقمع الحريات وطبيعة الدولة. وهذا ما يجب علينا أن نفهمه ونشرحه للطلاب وللجماهير. علينا أن نوضح أبعاد المعركة وحقيقتها، ونفضح المصالح التي تقف وراء الهجوم على حقنا في التعليم وندعو كل حلفائنا من عمال وفقراء إلى التضامن معنا والنضال معنا من أجل تخفيض أسعار النقل وغيرها من المطالب.
الآن وبعد أن خرجنا منتصرين من الجولة الأولى في هذه المعركة، يجب علينا أن نرفع سقف مطالبنا: يجب أن نطالب بمجانية النقل جميع الطلبة، وليس فقط تخفيض تسعيرة النقل. إنه مطلب عادل ومشروع ومنطقي. كيف لطالب لا يتقاضى أجرة ومحروم في الغالب حتى من المنحة الهزيلة أن يؤدي ثمن تنقله؟ ولماذا في المقابل يستفيد رجال البوليس والمخبرون من مجانية النقل، رغم أنهم يتقاضون على عملهم القذر أجرة يعملون على مضاعفتها بالابتزاز والرشاوى؟
ثم يجب علينا أن نوضح أننا في نضالنا ضد الشركة الحالية لا نريد استبدالها بالشركات التي كانت تسيطر على قطاع النقل سابقا (شركات تجار المخدرات السابقين)، بل نطالب بتأميم قطاع النقل العمومي ووضعه تحت رقابة العمال وعموم الجماهير. وبهذه الطريقة لن نتمكن فقط من تخفيض ثمن تذاكر النقل، بل سنتمكن من جعله مجانيا ورفع جودته للمستهلك وللبيئة وتحسين شروط عمل المشتغلين فيه.
علينا أن ننضم صفوفنا في إطار منظمتنا العتيدة وانسجاما مع مبادئها الديمقراطية والتقدمية والجماهيرية والاستقلالية، بحيث تصير القرارات نابعة من الجماهير الطلابية في جموعات عامة ديمقراطية، وفي إطار لجان معارك منتخبة ومراقبة من طرف الجماهير الطلابية.
إنهم يخشون التقائنا بالجماهير الشعبية وتعميم التضامن، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لهزمهم، لذا علينا نحن أن نصر على السير في ذلك الطريق: طريق الالتقاء بالعمال والجماهير الشعبية في الأحياء الشعبية والأسواق والحافلات، الخ. علينا أن نجعل من كل مكان بؤرة للشرح والفضح، ولجمع الدعم للمعركة.
عاش الاتحاد الوطني لطلبة المغرب
عاشت الوحدة الكفاحية بين الحركة الطلابية والحركة الجماهيرية
الحرية للمعتقلين
تعليق واحد
تعقيبات: المغرب: معركة النقل بجامعة عبد الملك السعدي (تطوان) – المجريات والدروس – ماركسي